صاروخ دمر حياتي

هذه القصة مستوحاة من مأساة غزة الأخيرة
القصة غير حقيقية ولم تحدث وأي تشابه بينها وبين قصص حقيقية في الأحداث أو الشخصيات سيكون بسبب كثرة المآسي التي عشناها في غزة

بداية القصة
سلوى: هل تذكري يوم أن تهنا في طريق العودة من المدرسة؟
فدوى: لا تذكريني بالله عليك كلما تذكرت ذلك اليوم أحسست برجفة في عظامي إحساس الغربة والضياع أذكر أني بكيت في ذلك اليوم كما لم أبكي في حياتي
سلوى: ما بالك يا بنتي وكأنك أصبحت أغبى المخلوقات
فدوى: ربما هو نقص الأكسجين يا سلوى فماذا تقصدين بالضبط؟
سلوى: قصدت أبي يا فدوى ألا تذكرين كيف كاد أن يقضي نحبه خوفاً علينا في ذلك اليوم
فدوى: صدقت يا سلوى لم أرى أبي في حياتي يبكي بحرارة أكثر من ذلك اليوم
فدوى: هل تظنين أنهم أحياء يا سلوى
سلوى: بإذن الله أحياء يا فدوى
فدوى: والله أهون علي الموت على أن أعيش ثانية واحدة بدونهم
سلوى: ومن قال أني سأحب الحياة من بعدهم
سلوى: لكن هذا قدر الله ويجب أن نرضى به
سلوى تريد تغيير الموضوع: بالله عليك هل تعرفين كم قضينا هنا؟
فدوى: لا أعتقد أن الوقت يعني أي شيء يا سلوى تستطيعين القول أن الوقت هنا يساوي صفراً
سلوى: بالعكس يا فدوى أظن أن الوقت هنا مضاعف أضعافاً كثيرة
فدوى: أنا قصدت أن الوقت لا معنى له ربما قضينا ساعة وربما قصينا 100 ساعة
سلوى: مكان جيد للأفكار الفلسفية
فدوى: هههههههه كح كح
سلوى: أرى أن نقتصد في حديثنا وإلا قضينا نحبنا من العطش
فدوى: عن نفسي أفضل أن أقضي نحبي عطشاً على أن أقضي نحبي مللاً
فدوى: هل تعتقدين أنهم سيصلون إلينا قريباً لأني بدأت أحسب بالعطش فعلاً
سلوى: الله أعلم لكني أظن الصوت يقترب

قبل يوم من هذه المحادثة
اسمي حلا أعمل كصحفية في جريدة النبأ
أسكن مع أهلي في مشروع بيت لاهيا
أقضي يومي بين العمل والبيت
الجميع يقول أني نشيطة كنحلة
إلا أن أهل بيتي يسمونني بالدب القطبي
لا أعلم سبباً لهذا رغم أني أقضي أكثر الوقت في البيت وأنا نائمة
بالطبع لا أعرف شيئاً عن الطبيخ والكنس والعجن وباقي الأمور التي تفرض علينا معشر النساء معرفتها
أبلغ من العمر 22 وعشرين عاماً
يقول البعض أني محدودة الجمال
ويقول البعض الآخر أني ملكة جمال
أحياناً يلقبني البعض بالثرثارة
وآخرون يلقبونني بصاحبة الجلالة بالطبع لقلة حديثي
أحياناً يقولون عني أني طيبة
وآخرون يقولون عني أني أشبه عمرو بن العاص في دهائه
هناك من يعتقد أني قوية شخصية
وهناك من يقول أني معقدة
وآخرون يقولون أني هشة كورقة في مهب الريح
وهذا لعمري ليس بغريب على الناس خصوصاً الأناس الطيبين في بلدي
على كل حال هذا أنا سواءاً كنت ثرثارة أو داهية
سواءاً كنت قوية أو هشة
هذا أنا
وأنا أحب نفسي
دعوكم مني وتعالوا أعرفكم على أفراد عائلتي الصغيرة
عائلتنا تتكون من أب وأم وثلاث بنات
أبي مثال رائع للأب الذي يخاف على بناته ويحبهم
ويالعجبي من أبي يهيألي أنه الأب الوحيد الذي لم ينزعج من عدم وجود وريث عرش
عندما سألته عن هذه النقطة
قالي يا حلا بالله عليك أخبريني أي عرش هذا الذي أريد وريثاً له
ثم ألا تكفي أنتي كوريث
تعرفون لغة التلميحات طبعاً أفحمني
أبي إنسان طموح جداً
يقضي يومه ما بين العمل والدراسة والكتابة
فهو يخرج باكراً إلى وزارة الإسكان حيث يمارس عمله كمهندس
بعد أن ينتهي من عمله يذهب إلى الجامعة الإسلامية بغزة حيث يقوم بتحضير رسالة الماجستير
في بعض الأيام لا يكون لديه جامعة فيعود مبكراً إلى البيت
عندما يعود إلى البيت يتناول طعام الغداء معنا
ثم تبدأ طقوس الكتابة لديه
طبعاً تحضرها له أختي سلوى
لا أعرف لماذا أحس أنها تأخذ الموضوع بشيء من التعصب
ممنوع الاقتراب
ممنوع تشغيل المسجل
ممنوع التحدث
قائمة طويلة من الممنوعات
وحذاري من مخالفة هذه القائمة لأنك ستستمع إلى موشح من الأخت سلوى له أول وليس له آخر
عن قلة الاحترام وعدم المسؤولية الذي تعاني منها
بمجرد أن تبدأ سلوى الموشح تتمنى أنت أنك التزمت بالقائمة بدون أي تحريف
على آية حال يمكنك أن تقوم بأي شيء لتسكت الأخت سلوى
لكن هذه مشكلتك وحدك ولن تجد من يساعدك أبداً
بالنسبة لأمي فهي مثال للأم الحنون
تقضي أغلب وقتها في الطبيخ والغسيل
باختصار يمكن أن نعتبرها تعيش في المطبخ والحمام
ناهيك عن أنها تكره أن يتدخل أحد في عملها
تذكرني بالقائد قوي الشخصية في الجيش
وهذا يبرر ضعفي في المواضيع المنزلية
أختي سلوى شخصية معقدة بجد
لا يمكنك وصفها بسهولة
ربما لو استطعت ذلك لحصلت على جائزة الحج نوبل في علم النفس
-طبعاً لو كان هناك واحدة-
يمكننا القول أنها خليط من الشخصية الودودة والشخصية العصبية والشخصية العفوية
-هذا على حسب توقيت التعامل معها-
أختنا الصغرى فدوى
شخصيتها تتمثل في كلمة واحدة (مراهقة)
أحياناً أستيقظ من نومي فأجدها تبكي
أظن أنها رأت كابوساً مرعباً
فأجري عليها اهدئها وأسألها مابك يا حبيبتي
بالطبع أحصل على جواب من الأجوبة الجميلة
أنتم جميعاً تكرهونني
والمعلمة تحب فلانة ولا تحبني
وشعري (مكتكت)
– مع العلم أن شعرها ناعم جداً-
وأشياء أخرى كثيرة
لكن أأكد لكم أنه ليس من بينها سبب جيد
يجعلها تبكي في منتصف الليل
طبعاً أخبرها كم هي خاطئة وأنها ملكة جمال الكون
بالطبع كلنا كنا كذلك لكن فدوى حساسة بعض الشيء
لهذا فالأمر معها أكثر وضوحاً
طبعاً لاحظتم أن أسماؤنا على وزن واحد
أسرة سعيدة نحن بالأصح كنا كذلك قبل أن يبدأ هذا الأمر

صباح يوم 27 ديسمبر سنة 2009
بوووووووووووم
بووووووووووووووووم
الأم: ماهذا الصوت بالضبط؟ سلوى افتحي المذياع
سلوى: حاضر يا أماه
المذياع: سكنت روحي يا شهيد
المذياع: علمتها معنى الصمود
المذياع: جاءنا الآن الخبر التالي
المذياع: قام طيران الاحتلال الصهيوني اليوم بشن غارة جوية على جميع مرافق الشرطة الفلسطينية
المذياع: مصادرنا أشارت إلى أن الاحصائيات الأولية تشير إلى 100 شهيد و 400 جريح
المذياع: وأشارت مصادرنا إلى أن العدوان شمل مقر الجوازات ومقرات الدفاع المدني
الأم: الله يهدهم اليهود
سلوى: آمين يارب
سلوى: العالم هادي ما بتخاف من ربنا
الأم: العالم هادي يا بنتي ما بيعرفوا معنى للرحمة
المذياع: معنا الآن علاء الكحلوت من أمام مقر الجوازات بغزة
المذياع: علاء هل تسمعني
المذياع: نعم أسمعك محمد
المذياع: أخبرنا عن تفاصيل الوضع عندك يا علاء
المذياع: عدد هائل من الضحايا أخ محمد مع دمار كبير في مقر الجوازات
المذياع: هناك حديث أخ محمد عن أكثر من 150 شهيد و 600 جريح
الأم: سلوى اتصلي على أبيكي وأختك لنطمئن عليهم
سلوى: حالاً يا أمي
أخذت سلوى تجرب الاتصال بأبيها وأختها
سلوى: الخطوط سيئة يا أمي
الأم: ظلي حاولي يا بنيتي
الأم: يا رب طمنا عليهم يا رب
سلوى: السلام عليكم كيف حالك يا أبي
الأب: الحمد لله بخير
سلوى: أين أنت يا أبتاه؟
الأب: تم إخلاء الوزارة وأنا في طريقي إلى البيت
الأب: ما أخباركم أنتم؟
سلوى: أنا وأمي وفدوى في البيت حلا في عملها
الأب: لقد هاتفتني حلا وأخبرتني أنها ذاهبة لتغطية الحدث
سلوى: وهل وافقت يا أبي؟
الأب: بالطبع يا بنيتي فهذا عملها لكن لا تخبري أمك لكي لا تقلق
سلوى: إن شاء الله
الأب: السلام عليكم
سلوى: وعليكم السلام
الأم: كيف حاله وكيف حال حلا؟؟
سلوى: أنهما بخير لقد هاتفته حلا وطمأنته
الأم: الحمد لله
الأم: هل أخبرك متى سيعود؟
سلوى: قال أن الوزارة أخليت وأنه في طريقه إلى البيت
الأم: ماذا عن حلا؟
سلوى: قال أنها هي الأخرى في طريقها إلى البيت
الأم: سأذهب لأعد الغداء انتبهي إلى فدوى ولا تتشاجري معها
سلوى: هي من يتشاجر معي يا أماه
الأم: ما ينقصني هو دلع البنات
سلوى: إذا لم تدللينا أنت فمن سيفعل
الأم: سلوى في رأسي ألف موال إما أن تكفي أو أوجعك ضرباً
سلوى: هههههههههههه
سلوى: أمرك يا أماه
ذهبت الأم لتعد الطعام وبقيت الأختان مع بعضهما البعض
المذياع: الأخوة الأفاضل
جاءنا الآن النبأ التالي
تقوم قوات الاحتلال الغاشمة بغارات تستهدف مراكز الأمن في القطاع كله
وأنباء عن اتساع عدد الشهداء
سلوى: ما الذي حصل لهؤلاء الساديين
فدوى: ما معنى سادية؟
سلوى: السادي هو الذي يستلذ بالقتل أو التعذيب
فدوى: يبدو أنهم تعلموا من بعض ما عندك
سلوى: أنا سادية يا فدوى والله (لأوريكي)
فدوى: سادية سادية سادية
سلوى: ماما فدوى (بتغلبني)
الأم: ما المشكلة يا بنات؟
سلوى: فدوى يا ماما (بتقول) لي أن اليهود تعلموا من بعض ساديتي
الأم: هههههههههه
سلوى: بتضحكي والله لأضربها
الأم: خلاص خلاص ما (تضربيهاش)
تررررين تررررين
الأم: كفي عن ملاحقتك لأختك يا سلوى وانظري من بالباب
ترررم ترررم تييير
الأب: السلام عليكم
سلوى: وعليكم السلام
سلوى: الحمد لله جاء منصفي اهئ اهئ
الأب: اهدئي اهدئي يا قمري ما بالك تبكي بحرقة
سلوى: بابا فدوى تصفني بالسادية
الأب: فدوى تعالي هنا
فدوى: نعم يا بابا
الأب: هل صحيح يا بنيتي أنك وصفتي أختك بالسادية
فدوى: كنت أمازحها يا أبتي
الأب: هل هناك من يمازح أخته حبيبته بهذا الوصف يا فدوى
فدوى: لا يا بابا
الأب: فدوى اعتذري من أختك
فدوى: آسفة يا سووى
سلوى: لا تكلميني أنا مخاصماك
الأب: سلوى !! هيا اقبلي اعتذار أختك
سلوى: هو مقبول
الأب: هيا تعانقا يا بنات
تعانق الفتاتان وأعادت فدوى أسفها
الأم: دعوا والدكم ليرتاح يا بنات
الأب: ماهذا ما هذا قمر يمشي على رجلين
الأم: أبو حلا اتركني وشأني ليس أمام البنات
الأب: يعني لا مانع لكن ليس أمام البنات
الأم: هههههههههه قلت لك اتركني وشأني اتصلي بحلا يا سلوى تأخرت قليلاً
الأب: حلا هاتفتني مرة أخرى وقالت بأنها ستغطي الحدث
الأم: ماذا ؟؟؟ وهل سمحت لها؟؟
الأب: بالتأكيد
الأم: أوتريد أن تحرق قلبي عليها
الأب: أم حلا اهدئي بالله عليك لماذا تركناها تدرس الصحافة أليس لتعبر عن مأساة شعبنا
الأم: بلى ولكن…
الأب: لكن ماذا أوعندما تأتيها الفرصة لتفعل نقول لها نخشى عليك أن يصيبك مكروه
الأم تنزل دمعة من عينها
الأب: توكلي على الله يا أم حلا ولن يكون إلا كل خير
الأم: ونعم بالله
الأب: سآخذ قليلولة ريثما تكملي إعداد الطعام
الأب: وأنتم يا بنات بدون إزعاج
سلوى: أخبر فدوى يا أبتي فهي من يبدأ
فدوى: والله أنا مسكينة يا بابا هي التي تضربني وتشتكي
الأب: بنات لن نعود إلى الجدال السرمدي هي من تبدأ هي من تضرب أريد أن أنام قليلاً
سلوى وفدوى تضحكان من أسلوب الوصف
الأب: أيقظوني عندما تعود حلا

بعد ساعة
جرس الباب يقرع -بضم القاف-
الأم:فدوى افتحي الباب
فدوى: ألا يوجد في هذا البيت غيري
سلوى: حرام عليكم مسكينة فدوى هههههههههههه
فدوى: ماما بتغيظني سلوى
الأم: افتحي الباب يا سلوى ولا تضايقي أختك
سلوى: هذا ما تقومون به دائماً
الجرس يقرع مرة أخرى
الأم: ما رأيكم أن أفتح الباب أنا
فدوى: سأفتح أنا يا ماما
فدوى: هيه حلا القمورة وصلت
تطبع فدوى قبلة على خد أختها حلا
حلا: حبيب قلبي أنا القمر
سلوى: احم احم نحن هنا
فدوى: يا مغيوظة
الأم: ارحمونا يا بنات ما عادت صحتي تسمح بمناهاداتكم
حلا: سلامتك يا أحلى أم في الدنيا
الأم: الله يخليلي اياكم يا رب
الأم: أخبريني بالتفصيل ما الذي قمت به اليوم
حلا: لا تذكريني يا أماه
حلا: المناظر هناك لا تطاق
الأم: احكيلي ماذا رأيتي بالضبط
حلا تنفجر بالبكاء
الأم: اهدئي يا بنيتي اهدئي
صوت بكاء حلا يرتفع
الأم: تعالي إلى حضني يا بنيتي
الأم: أيقظي أبيكي يا سلوى
سلوى: طيارة
الأم: بطنك هو ما يهمك يا دبة
سلوى: ايش اعمل جوعانة جداً
فدوى: مفجوعة
سلوى: ماما سمعتيها
الأم: ماذا قالت؟
سلوى: أصلاً لو سمعتيها لن تنصفيني سأوقظ بابا وهو من سينصفني
الأم تحضن حلا وتجفف دموعها
الأب استيقظ من النوم
الأب: ماالذي جرى يا حلا
الأم: لم أكد أسألها هذا السؤال حتى انكبت في البكاء
الأم: مارأيك أن نأجل هذه المحادثة إلى ما بعد الأكل
تقوم الام بترتيب السفرة
بينما يحتضن الأب حلا
الأم: هيا قوما للأكل
حلا: ومن له نفس في الأكل
الأب: حلا لا تجعليني أكره نفسي لأني سمحت لك بالذهاب إلى عملك
حلا: أبتي كان يجب أن ترى ذلك الشاب وهو يرفع أصبعه السباب ويتلو الشهادتين
حلا: ربما لو رأيت الجثث المتفحمة لتساءلت كيف يمكن لإنسان أن يأكل بعد ذلك
حلا: ربما لو رأيت الأشلاء الصغيرة تصور هذه الأشلاء كانت لإنسان يمشي ويتكلم ويحب
حلا: لا تدري ربما كان عريساً تنتظره عروسه بشوق
حلا: أو كان عائلاً لمجموعة من الأطفال أضحوا بموته يتامى لا معيل لهم
حلا: ربما كانت أمه تنتظره لتحضنه وتقبل جبينه
حلا: كان يجب أن ترى الدمار الذي حل بالمكان
حلا: أتدري في كل هذا لم أستغرب غير شيء وحيد
الأب: ماهو يا بنيتي؟
حلا: أستغرب كيف يفعل هذا إنسان بآخر
حلا: قد أستوعب يا أبتي أن يقتل إنسان آخر لسبب ما
حلا: لكني لا أستوعب كيف يقوم إنسان بعمل مجزرة كهذه حتى ولو تلقى أوامر من قائده
الأب: هؤلاء كفوا عن كونهم بشراً حتى الحيوانات تترفع عن أفعالهم
الأب: ثم هم لم يكفوا يوماً عن إبهاري بلاإنسانيتهم
الأب: كلما أقول هنا يتوقفون أجدهم يخرجون إلى الوجود بأفعال تفوق سابقاتها
الأب: ثم بعد ذلك يقولون أووووه لم نكن نقصدها
الأب: لا عليك حتى أنا انسدت شهيتي عن الطعام
الأم: وهل تتوقعون منا أن نأكل وأنتم لم تذوقوا الطعام
سلوى: أما عن نفسي فأنا سآكل سآكل
فدوى: مفجوعة وقليلة إحساس
سلوى: سمعتيها يا ماما
الأم: عيب يا فدوى وإن كنت أرى أنها صادقة يا سلوى
سلوى: ماما اهئ اهئ
الأم: اقترح أن نغطي الأكل ريثما يجوع الجميع
الأب: هذا اقتراح جيد ماعدا أن هناك من لو جاع لأكلنا جميعاً
سلوى والدمعة تتلألأ في عينها: حتى أنت يا أبي
الأب: لا لا إلا بكائك يا سلوى أنا لا أستطيع على ذلك
سلوى: لو كنت فعلاً لا تستطيع على ذلك ما كنت وقفت في صفهم ضدي
الأب: كنت أمزح يا بنيتي
بووووووووووووم باااااااام
طراااااااااااخ
الأب: ماهذا ما الذي حصل؟شغلي التلفاز يا فدوى
فدوى : يبدو أن الكهرباء انقطعت يا أبي
الأب: شغلي المذياع يا بنيتي
فدوى شغلت المذياع
المذياع: نسمع الآن دوي انفجارات في شمال قطاع غزة
المذياع: معنا الزميل محمد أبو شمالة ليوافينا بآخر المستجدات
المذيع: هل تسمعني محمد؟
محمد: نعم أسمعك وسام
وسام: الزميل محمد أخبرني آخر المستجدات لديك
محمد: هناك عدة انفجارات هنا في الشمال ولم نتبين بالضبط مكانها
وسام: هل هناك أية معلومات عن المكان
محمد: هناك عن أنباء عن كون الانفجار بالقرب من منتصف البلد وأنباء عن استشهاد 10 مدنيين
وسام: شكراً زميلي محمد
وسام: نتابع معكم مجريات الأحداث في باقي فلسطين
حلا: يجب أن أذهب لكي أغطي الحدث
الأب: انتبهي لنفسك يا بنيتي
حلا: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
الأم: حلا اتصلي بنا كل ساعة
حلا: إن شاء الله يا أمي
فتحت حلا الباب
الأم: لا إله إلا الله
حلا: محمد رسول الله
اغلقت حلا الباب
وانطلقت مسرعة بسيارتها إلى مكان الحادث
في مكان الحادث كان هناك حشد صحفي وإعلامي كبير
من ضمنهم كانت صديقة حلا سالي
حلا:السلام عليكم
سالي: وعليكم السلام
حلا: ما الذي حصل بالضبط؟
سالي: ببساطة صاروخ أصاب هذا البيت وحوله إلى بقايا بيت
حلا: ببساطة!! مالك تقولينها وكأنما لم يحصل شيء
سالي: يهيألي أنه أمر هين بعدما رأيته اليوم صباحاً
حلا: مهما رأيت في حياتي من الموت فلن يكون ببساطة أبداً
سالي: منطق سليم جداً ومعك فيه كل الحق
حلا: المهم وهل نجا أحد
سالي: مازالت الحفريات تعمل
بووووووووووووووم
حلا: سالي ما الذي حصل؟
سالي: يبدو أن اليهود يتبعون نفس سياستهم القديمة
سالي: يضربون نفس المكان أكثر من مرة لكي يخاف الناس المشاركة في عملية الإنقاذ
حلا: يا سبحان الله هؤلاء ماهم ببشر
سالي: هذا ليس أمراً جديداً عليهم
حلا: طيب وبماذا يبررون هذه الفعلة
سالي: هؤلاء قوم غير مهتمين بتبرير أفعالهم
حلا: تقصدين فوق القانون
سالي: لا إنما لهم قانون واحد ألا وهو قانون الغاب
حلا: لن يكفوا عن إبهاري بوحشيتهم أبداً
بووووووووووووووووم بووووووووووووم
سالي: هذه الضربة بعيدة بعد الشيء
حلا: هاهو دخانها تعالي نسرع إلى هناك
وركبت الفتاتان السيارة واتجهتا إلى موقع الحادث الجديد
حلا: يبدو لي وكأننا نقترب من بيتي
سالي: يهيألك لا أكثر
حلا: يسمع منك ربنا
سالي محاولة تغيير الموضوع: هل تظني أن هذه الهجمة عابرة كسابقاتها
حلا: العلم عند رب العالمين لكن يبدو لي أنها على الأقل ستكون أعنف بكثير
حلا: يا ويلي هذا بيتنا يا سالي
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه يا ربي
حلا تبكي بصوت مرتفع
سالي: اهدئي ريثما نرى ما قد حصل لعل أهلك يكونوا خرجوا من المنزل
حلا لم تسكت من البكاء
سالي: حلا أوقفي السيارة سنكمل الطريق مشياً بدلاً من أن أموت بحادث سيارة
حلا: يا ريت أموت وأرتاح يااااااااااااااااااااااا رب
سالي: بإذن الله سيكونوا بخير هيا أوقفي السيارة
أوقفت حلا السيارة ونزلت تجريان إلى مكان الحادث
وحلا لا تكف عن النهيج
سالي: لو سمحت يا عم هل رأيت أحد من أهل المنزل المقصوف
الرجل: لا أعرف أنا خرجت لتوي لأرى ما الذي حصل
سالي: شكراً يا عم
واتجهت إلى شخص آخر يقف قريباً منهم وأعادت عليه نفس السؤال
الرجل: كنت واقفاً هنا أنتظر قريباً لي ولم يخرج أحد من البيت لا قبل ولا بعد الضربة
حلا يعلو صوتها بالبكاء
حلا وهي تنهج بالبكاء:يا أميييييييييييي يا أبيييييييييييييييييييييييييييييييي لمن تركتموني يا أغلى الناس
سالي وهي تحتضن حلا: كلنا ذاهبون إلى هذا الطريق يا حلا كلنا بلا استثناء
حلا: يا أميييييييييي يا حبيبتي يا أبييييي يا مهجة عيني
سالي تضم حلا إلى صدرها وتسكتها
حلا: فدوى وسلوى يا سالي
سالي: لا حول ولا قوة إلا بالله
حلا تضحك بقوة ثم تبكي بشدة
سالي: حلا اهدئي اهدئي
حلا:ماما بابا أين ذهبتما
حلا:مين أين مين وين راحوا كانوا فدوى سلوى ماما بابا
حلا:هل ستأتي ماما
حلا:كيف ستأتي ماما وقد ماتت؟
حلا تضحك بصوت عال
وسالي تنظر لها مشدوهة

الآن حلا تسكن في مستشفى المجانين منذ عشرين عاماً
بالنسبة للأختين فدوى وسلوى صحيح أنهم نجوا من الضربة الأولى للصاروخ لكنهم وجدوهم بعد أسبوعين وقد قضوا نحبهم
طبعاً ما كان لي أن أعرف أنهما كانتا حيتين لولا تقرير الطبيب الشرعي
تمت

علي: جميلة جداً يا سالي لكن ما الذي ذكرك بهذه القصة وقد مضى عليها قرابة العشرين عاماً
سالي: فكرت أن هذه القصة ربما تغير شيئاً في واقعنا الأليم
علي: على أية حال أحسنت الكتابة ولو أني أحس أنه ينقصها شيء ما
سالي: أكثر شيء أكرهه في الوجود النقد اللامنهجي إما أن تقول لي ما الذي تراه ينقصها أو تسكت بالمرة
علي: ما بالك هكذا لا تقبلين المزاح
سالي: أوتراني بعدما كتبت هذه القصة وتذكرت حلا وهي تضحك وتبكي قادرة على تقبل أي شيء
علي: أنا آسف لم أكن أقصد
ظهرت بنت صغيرة جميلة من غرفة النوم المجاورة
سالي: هل استيقظت يا حلا
حلا: نعم يا ماما زوعانة أنا
سالي: اغسلي وجهك ريثما أعد الإفطار
علي: الآن فهمت لماذا كتبت القصة
سالي: نعم يا علي أتمنى أن لا تعيش حلا الصغيرة مصير حلا

تمت

البعض سيرى أني متشائم وأن هذا الحال لن يستمر على ماهو عليه
ربما أكون كذلك وربما لا أكون
لكن الذي يقتلني أنه مر على احتلال فلسطين ستون سنة ومازالت المجازر تحصل فيها
وإخواننا المسلمون ملتهون بكأس وقمار وراقصة
قال تعالى:”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”

تحياتي
شهيد الأقصى

Tags: , , , , , , , , ,

2 تعليقان to “صاروخ دمر حياتي”

  1. يقول Salam:

    يالله .. رجعتنا بالزاكرة لأيام حاولنا و بنحاول ننساها 🙁
    الله المستعان ..

  2. يقول mr.beshoy:

    الرب موجود …. عيش بالتفائل و لا انتظر للجزء الفارغ من الكوب
    الرب موجود بكل المقاييس ….. لا تجزع و لا تخاف …. كن بطلاً

    بيشوى عاطف

Leave a Reply