الأندلس من أوراق ذكرياتي

السلام عليكم

دائماً ما كنت مولعاً بالتاريخ
وكنت قارئاً نهماً لكل ما يقع تحت يدي من كتبه من الرحيق المختوم
إلى السيرة لابن هشام
إلى سير أعلام النبلاء
ورجال ونساء حول الرسول
والبداية والنهاية لابن كثير
وبعض المقالات للدكتور راغب السرجاني
وقراءات مختلفة في التاريخ العثماني والأموي والعباسي
وآخرين
لكني دائماً ما كنت مولعاً بتاريخ الأندلس لما يمثله من تجربة إنسانية وحضارية إسلامية وصلت الآفاق
وتعد منبع وأصل كل الثقافات والعلوم الحديثة
وذاكرتي على صغر مساحتها إلا أنها أبت إلا أن تحتفظ بمعلومات كثيرة عن الأندلس
أتذكر الفتوحات الإسلامية في الأمصار
فيحضرني الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين في ذلك الزمان
ويحضرني محاولات أمراء المؤمنين لفتح القسطنطينية من الجهة الأخرى
يحضرني طارق بن زياد في معركة وادي لكة التي فتح الله بها أرض الأندلس
وتحضرني المقولة الشهيرة “العدو من أمامكم والبحر من ورائكم”
-بالمناسبة المقولة مكذوبة على طارق من مؤرخي أسبانيا لأن النصر الحاصل في تلك المعركة للمسلمين آرقهم وأقض مضاجعهم ولم يروا تفسيراً له إلا بهذه الطريقة والكلمة تحضرني لشيوع ذكرها وليس لشيء آخر-
ثم أتذكر نهاية الدولة الأموية و بداية الدولة الأموية في الأندلس
فيحضرني مروان بن الحكم وكنيته الشهيرة 🙂 وموته على يد أبي مسلم الخرساني و عبد الرحمن الداخل وكنيته الشهيرة صقر قريش وتوحيده للقبائل في الأندلس
ويحضرني عبدالرحمن الأوسط وعمارته لأرض الأندلس
وعبد الرحمن الناصر لدين الله -المؤسس الثاني للدولة الأموية لو صح التعبير-
وإعادة توحيده للبلاد وجهاده الذي وصل الأفاق
حتى قيل حكم الأندلس خمسون عاماً فما ارتاح إلا في أربعة عشر يوماً
وتحضرني معركة بلاط الشهداء وعبد الرحمن الغافقي
-بالمناسبة يبدو لي أن الاسم عبد الرحمن ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالأندلس 🙂 –
أتذكر دولة بني الأحمر
وتحضرني المآسي تلو المآسي التي حلت على أهل الإسلام في تلك البقاع
وتحضرني مقولة أم عبد الله الصغير
عندما رأته يبكي على ملكه
“أتبكي كالنساء على ملكاً لم تستطع المحافظة عليه كالرجال”
وتحضرني قرطبة واشبيلية وبلنسية ومرسية وشاطبة وغرناطة
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية أم أي شاطبة أم أين جيان
أتذكر الحضارة والبناء
فيحضرني قصر الزهراء وقصر الحمراء و جامع قرطبة
أتذكر العلوم والثقافة
فيحضرني ابن رشد صاحب الفيلسوف المعروف صاحب تهافت التهافت -وإن كنت لا أحب فلسفته لكنه الأشهر-
وابن حزم الظاهري صاحب مذهب الظاهرية
ويحضرني ابن فرناس وأحلام الطيران التي خلدت في ذهن البشرية جمعاء بطائرة الأخوان رايت
ويحضرني زرياب صاحب الموسيقى والمقامات وأول من وضع أساسيات هذه العلوم
وأتذكر الأدب
فتحضرني ولادة بنت المستكفي وابن زيدون وأجمل أشعار الغزل العفيف

أتذكر نهاية دولة المسلمين في الأندلس
فيحضرني عند الأبيات الشهيرة التي خلدت في تاريخ الأدب الإسلامي أبد الدهر
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت***كأنمـا هـي ياقـوت ومرجـان
يقودهـــا العلـــج للمكــروة مكـرهة***والعين باكيـة والقلـب حيـران
لمثل هذا يذوب القلب مـن كمـد***إن كان في القلب إسلام و إيمـان
من قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
ووالله إني لأستغرب كيف يلاقي ربه من يسمع هذه الأبيات ثم لم يلبي نداء الأندلس
وإني لأقولها لمن ينظر لفلسطين ويقول لا دخل لي
وقد قالها قبلي أبو البقاء الرندي إن كان في القلب إسلام وإيمان
لكن يبدو أن قلوبنا لا تحوي على شيء من هذا
ذكرياتي في أوراق مبعثرة عن حضارة ما حفظناها وأسأنا لها بتخلفنا
ونتوق شوقاً لنعيد أمجادها
فهل من ملبي وهل من مجيب أم ستكون فلسطين أندلساً أخرى

كتبت هذه المقالة في ذكرى سقوط الأندلس العشرون بعد الخمسمئة
استجابة مني لدعوة أخي العزيز محمد سفيان شراب

تحياتي

مراجع:
قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
http://forums.al3almi.net/showthread.php/27767-%D8%AF%D9%87%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%B1-%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D8%B2%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%87**%D9%87%D9%88%D9%89-%D9%84%D9%87-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%AF-%D8%AB%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%86

4 تعليقات to “الأندلس من أوراق ذكرياتي”

  1. يقول زينب:

    كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟
    ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟
    !!
    مقالة تعكس الثقافة العلائية الجبارة..
    التاريخ الأندلسي كنز نعتز به وكذلك الأدب الأندلسي كان رائعا..
    الشتات الذي حصل لأبناء الأمة هو من أسباب ضياع تلك الثروة..
    بإذن الله سنعيد مجد الأندلس وينتصر الإسلام.
    *اللهم انصر أخواننا المجاهدين في كل مكان*

  2. يقول admin:

    لمن الأبيات أختي؟

    فعلاً الشتات كان السبب الأهم
    لدرجة عن بعض أمراء ذلك الزمان ساعدوا الأسبان على مسلمين آخرين
    اللهم انصر الإسلام وأعلي كلمة الدين يا كريم

    الثقافة العلائية كانت قوية في الماضي لكن مع الكمبيوتر نزلت إلى الحضيض 🙁
    لذا فهو مدح لا أستحقه 🙂

    أتمنى لك التوفيق والسداد

  3. يقول زينب:

    الأبيات من القصيدة ذاتها لأبي البقاء الرندي ..
    أنا أرى أن كتاباتك لا تزال رائعة ..لأني مكثت عدة ساعات في قراءة مدونتك سيدي
    مع ذلك لم انتهي..المقالات القديمة -2007- رائعة أيضا
    جزاك الله خيرا أستاذ

  4. يقول admin:

    أسأل الله أن يجعل أعمالنا خاصة لوجهه الكريم
    وأن ينفع بها الإسلام والمسلمين

Leave a Reply